علم المنطق

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

تاريخ تدوين علم المنطق

        يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان بالعقل, وهو عدته في التفكير والوصول إلى شيء يجهله, وبه يدرك الحقائق ويقف على أسرار الكون.
          والإنسان مدفوع بطبيعته إلى التفكير وهو يستعمل فكره مادامت حياته, سواء في ذلك الصغير والكبير كلّ على قدر عقله.
          غير أن تفكيره لا يؤدي دائما إلى نتائج صحيحة, فقد يزل من حيث لا يشعر, ويخطئ عن غير قصد, فيلتبس عليه الحق بالباطل ويصل إلى معلومات غير صحيحة.
          فلكي يأمن الإنسان من الزلل وتسلم معلوماته من الخطأ, وضعت القواعد يسترشد بها الإنسان في تفكيره, ويسير فيه على مفتضاه تلك القواعد هي علم المنطق.
          المنطق من العلوم العقلية التي يحتاج إليها الإنسان في تفكيره وترتيب معلوماته, فهو الذي ينظم الفكر ويعصمه من الوقوع في الخطأ ويرتّب الأدلة لتنتج انتاجا صحيحا.
          هذا العلم من المعلومات القديمة التي يرجع تاريخها إلى ما قبل ميلاد بزمن طويل.
          لما أشرقت شمس المدينة الإغريقية صحبتها حركة علمية واسعة النطاق وأنجبت كثيرا من الفلاسفة والمفكرين الذين أبعدوا عن عانقهم التقيّد بالقديم (الخرفات) وأرخوا لأنفسهم العنان في البحث الحرّ واستخدموا مواهبهم العقلية في التدليل على آرائهم والبرهنة على نظرياتهم.
          حتى ظهرت في مدينة بلاد اليونان أثينا (ATHENA) قوم من مستعمرات الدولة اليونانية, يلقبون بالسوفسطائيين (SOFIS) وبثوا في الناس أفكارا سيئة, وكان جل مقصدهم القضاء على المعتقدات الدينية وتغيير نظام الحكومة الدولة اليونانية.
          وذلك بطريق قلب الحقائق رأسا على عقب وتضليل العقول بقضايا خادعة ضالة, كقولهم: "الحسن ما تراه حسنا, والقبيح ما تراه قبيحا, وما ظنه المرء صادقا فهو صادق, وظنه كذب فهو كاذب". فلم يكن لديهم مقياسا صحيح للخير والشرّ ولا للصدق. فكلّ يقيس الصدق لنفسه وكلّ امرء في حلّ من أن يختار لنفسه ما يرى أنه أكثر الأشياء فائدة له.
          وما زالوا كذلك حتى ظهر بعض الفلاسفة للقضاء على تعاليمهم, وفي مقدمتهم سقراط (SOCRATES) وأفلاطون (PLATO), سلك سقراط في قضاء على ذلك بالبيان للناس طريقة الحق من الباطل وإظهار الحقائق باستنتاج القواعد من الحوار والمناقشة مع تلاميذه, حتي يصل الواحد منهم بنفسه إلى كشف حقيقة الخير ويقف على كنه الفضائل المختلفة. فسقراط بهذا قد مهد السبيل إلى تنظيم علم المنطق.
          ثم اقتفي أثره تلميذه أفلاطون, واتبع طريقة أستاذه وشرح كلّ أبحاثه العلمية, ولكنه لم يزد على بحث أستاذه كثيرا.
          ثم جاء من بعد أفلاطون تلميذه أرسطو (ARISTOTE) حكيم اليونان, فإنه أكثر مجهود في تمحيص المجهودات العقلية التي بدأ بها سقراط وأفلاطون, جمع شتات المنطق وهذب أبحاثه, وتحدث القياس والبرهان والجدل, ووضع قواعد تؤدي إلى اليقين. ولم يكن غرضه دحض مذهب السوفسطائيين كما فعل من تقدمه, بل تربية الإنسان تربية كاملة, وبث روح الفضيلة في نفسه, ووضع أسس علم النفس. ولهذا يعتبر هو الواضع لعلم المنطق.
          فلما قضى نحبه وفقد اليونان استقلالهم قلّ الاشتغال بالعلوم العقلية واهتم بعض الرومان بالمنطق بعد ذلك.
          وما زالت الأيام تتوالى حتى ظهر الإسلام وجاء عصر التأليف الذهبي عصر الترجمة والتدوين وهو عصر الدولة العباسية, طرق العرب باب مكتبة اليونان وترجموا كثيرا من علومهم إلى لسان العرب, فكان ضمن ما ترجموه منها علم المنطق الذي تناولوه فيما بعد بالشرح والتفسير. فقد ترجم عبد الله بن المقفع كتب أرسطوا من اللغة اليونانية إلى لسان العرب, ثم تبعه الفلاسفة المسلمون نحو يعقوب بن إسحق الكندي, وأبو نصر الفربي, والرئيس ابن سينا.
          واشتغل به بعد ذلك كثير من الفلاسفة كحجة الإسلام أبو حامد الغزالي, وابن رشد القرطبي, وممن برز فيه من علماء المسلمين في عصر النهضة الحاضر السيد جمال الدين الأفغاني والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.
          وأخيرا بعد اشتغال الأوربيين بالعلوم أخذ مناطقة الغرب في دراسة طرق وضعها, فزادوا في مادته واسعة النطاق محكمة الترتيب والوضع ولاسيما في باب الاستنباط -الذي يعتمد عليه في وضع قواعد العلوم وكسب المطالب العلمية-, وأدركوا فوائد الاعتماد على الملاحظة والتجارب العلمية في كسب الأحكام الكلّية من الأحكام الجزئية وألفوا فيه كتبا مطولة عظيمة الفائدة.




 علم المنطق
(LOGIC)

·       تعريفه:
عرّف المناطقة بتعاريف كثيرة, نخصّ بالذكر منها:
-         هو آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير.
-         هو علم قوانين الفكر.
-         هو علم الباحث في عمليات الفكر الموصلة إلى الحق.
من ذلك نستنتج أنه خاص ببيان الطرق الصحيحة التي توصل إلى التفكير الصحيح.
·       موضوعه : المعلومات التصورية والمعلومات التصديقية.
·       واضهه   : أرسطو (348 ق.م – 322 ق.م)
·       أسماؤه    :  - عمل المنطق - علم الميزان - معيار العلم
    - علم الاستدلال - قانون الفكر - أدب المناظرة.
·       استمداده : من العقل.
·       مسائله   : القضايا المتعلقة بالتعريفات والأقيسة.
·                                             ثمرته     : القدرة على إقامة الحجج والبراهين والدفاع عن العقائد الحقة
·                                                        فائدته    : - تربية القوى العقلية وتنميتها بالتمرن والمزاولة البحث في طريق التفكير.
   - تمييز الأفكار الصائبة عن الخاطئة - وهي الفائدة الأساسية فيه - ببيان مواطن الخطأ والصواب في التفكير وأنواعه وأسبابه.
   - وضع القوانين التي يعمل الفكر بمقتضاها.
   - تربية ملكة النقد والتقدير الصحيح ووزن البراهين والحكم عيها بالكمال أو النقص.





التجريد
(ABSTRACTION)

          فاعلم أن إدراك الإنسان بما حوله يكتسبه منذ صغره بملاحظة الأشياء المتشابهة تحت اسم واحد, فيأخذ الصفات العامة التي يشترك فيها تلك الأشياء بعد مضاهاتها وتوجيه الفكر إلى الصفات الذاتية المشتركة وإهمال الصفات العرضية التي يتميز بها كلّ فرد من تلك الأمثلة على حدته, ثم كوّن هذه الصفات في ذهنه لتكون مقياسا له.
          فلما رأى شيئا جديدا ما لم يره من قبل, فقاس بالمقياس الذي اكتسبه, فإذا تساوى في ذلك أدخله تحت اسم واحد, وهكذا يعامل الناس فكره كلّما رأى شيئا جديدا. وطريقة الإنسان في اكتساب هذه المدارك تسمى بالتجريد
          ويقصد التجريد : انتزاع الصفات العامة التي يشترك فيها أمثلة مختلفة متشابهة ثم تكوين صورة عامة لأفراد تلك الأمثلة المتشابهة.
          والصورة الذهنية العامة التي تتكون من الصفات العامة المأخوذة من عدة الأمثلة المتشابهة تسمى بـ "المعنى المجرد"(ABSTRACT TERM).
          فإذا عرضنا على الطفل مثالا قطّا وأفهمناه أن هذا قطّ, تصور في أول وهلة أن لفظ قطّ موقوف على فرد واحد وهو الذي أريناه إياه, فإذا عرضنا عليه قطّا ثانيا وثالثا ورابعا إلخ, دبت في نفسه فكرة العموم وأخذ يوازن بين تلك الأمثلة, ويضاهي بينها حتى يصل إلى صورة ذهنية عامة يمكن تطبيقها على قطّ يقع تحت بصره بعد ذلك.
          ومما نقدم نبين أن التجريد عملية تحليل واختيار وبحث في المدركات الحسية بتكوين صورة ذهنية عامة يمكن تطبيقها على أفراد منشابهة في حقائق ثابتة, وأما معنى المجرد هو الصورة الذهنية العامة التي كونها.
          وهذه المدركات من عدة صور ذهنية تكون عِلْمًا حَادِثًا للإنسان.




العلم

العلم هو مطلق الإدراك أو إدراك الشيء على وحه الجزم أو الظنّ يطابق للواقع أو لا يطابق للواقع.
الإدراك هو صورة الحاصلة من الذهن لأي مدرك.
          اعلم أن مدارك الأمور على ضربين: إدراك المفردات كعلمنا بمعنى الكتاب والسبورة والحديد والجميل والقبيح وسائر ما يدل عليه بالأسامي المفردة. والثاني إدراك نسبة هذه المفردات بعضها ببعض بالنفي أو الإثبات, بأن نقول الكتاب جديد, وليس الكتاب جديدا, والكتاب قبيح, وليس الكتاب قبيحا.
          وقد سمّى المناطقة معرفة المفردات تصورا, ومعرفة النسبة الخبرية بين المفردة تصديقا. ولذلك ينقسم العلم إلى: التصور والتصديقا
-             التصور (CONCEPT) : إدراك معاني الأشياء المفردة من غير حكم عليها بالنفي أو الإثبات على وجه اليقين أو الظن.
كإدراك معنى سماء أو أرض أو قمر أو نهر أو جزيرة.
-                                         التصديق (JUDGMENT) : إدراك إثبات شيء لشيء أو نفي عنه. ففي قولنا:
(الأرض مستديرة, والشجرة عالية, والكسول لا ينجح, والكذوب لا يصدّق).
حكمنا بإثبات الاستدارة للأرض, والعلو للشجرة, كما حكمنا بسلب النجاح عن الكسول وسلب الصدق للكذوب.

تقسيم التصور والتصديق إلى بدهي ونظري
-                                        البدهي (AXIOM) : ما لا يحتاج في إدراكه إلى فكر وبعد النظر بل يدرك بسهولة. المثال:
من التصور: إدراك معنى كتاب وكراسة وسبورة وبقرة.
من التصديق : إدراك معنى :
- الأسد حيوان مفترش.         - الماء ليس بغاز.
          - ليس الشتاء حارا.     - الكلب أمين.
-                              النظري (             ) : ما يحتاج في إدركه إلى فكر وبعد النظر. أو يدرك إلاّ بعد رويّة وإعمال الفكر. المثال:
من التصور: إدراك معنى المغناطسية والأثير والتكاثف والكهرباء.
من التصديق: إدراك معنى:
- بعض الأجسام موصّل جيد للحرارة وبعضها ردئ التوصيل.
- أثر القمر في إحداث المدّ والجزر أقوى من أثر الشمس.
- المربع المنشأ على الوتر في الزاوية القائمة يساوي مجموع المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين.


 



                                    La  +  Lb  =   Lc
فكلّ البدهي تصورا كان أم تصديقا يسمى معنى واضحا, والنظري يسمي معنى غامضا.
         


مما يزيد في غموض المعاني أشياء كثيرة, منها:
1-                خداع الحواس أو ضعف الذاكرة.
2-                التعقيد اللفظي والمعنوي.
3-        استعمال المجازات في العبارة التي يراد فهم معناها كالاستعارات والكنايات.
4-        أن يكون للكلمة الواحدة جملة معان كلفظ عين التي تدل على نحو سبعين معنىً.
5-     استعمال الكلمات استعمالا اصطلاحيا في العلوم المختلفة.

--------



التجريد

 

Tidak ada komentar:

Posting Komentar